dimanche 11 mai 2008

الحريـــــــــة la liberté

إن إشكالية علاقة الواجب بالمجتمع أحيت وبصورة حادة نقاشا حول ثقافة الواجب لدى المواطنين و إذكاء روح المواطنة كنموذج تعاقدي بإدماج المواطن في المسؤولية من أجل تحقيق مجتمع مدني أساسه الحق والعدالة والإنصاف ضمن مجال الحرية حتى يحقق إنسانيته بالانفتاح على ثقافات أخرى لتعزيز ثقافة التعايش والسلم بين الشعوب . والتخفيف من العنف المادي والرمزي داخل المجتمعات .

الحرية حق ؛ إلا أن هذا الحق يصطدم بحواجز خارجية وداخلية . وتبقى مطلبا مناهضا لكل أشكال القهر ، وهذا ما يجعل المفهوم يكتنفه نوع من الغموض : أولا لأن منطلقات التحديد تختلف من شخص إلى آخر ؛ وثانيا ارتباط المفهوم بالبعد الإيديولوجي والسياسي .وهنا يكون مفهوم ديونتولوجي له ارتباط وثيق بالحرية . وهكذا تتحدد المواطنة انطلاقا من مبدأ الحرية والواجب؛ فكل مواطن عضو في الدولة يتمتع بالحرية المدنية وعليه واجبات . يقول حنا آرنت " إن المجال الذي عرفت فيه الحرية دوما ... إنما هو الميدان السياسي ... وبالرغم من التأثير البالغ الذي مارسه مفهوم الحرية الداخلية غير السياسية على تقاليد الفكر ، يبدو أنه يمكن الإقرار بأن . الإنسان لا يمكنه أن يعرف شيئا عن الحرية الداخلية إذا هو لم يختبر بادئ ذي بدء حرية تكون واقعا ملموسا في العالم . فنحن نعي بالحرية أو بنقيضها في علاقتها بالآخرين لا في علاقتها بأنفسنا . وقبل أن تصبح الحرية صفة الفكر أو ميزة للإرادة ، فهمت على أنها منزلة الإنسان الحر . تلك التي تمكنه قولا وفعلا من التنقل ومغادرة البيت والتجول في العالم وملاقاة أناس آخرين ..." ( أزمة الثقافة)

1- الحرية والحتمية

وجود الشخص ليس حالة جامدة سهل ضبطها أو اختزالها في مجرد انفعالات سلوكية أو علاقات اجتماعية أو بنية ثقافية إنه كل يتميز بالقدرة على التلفظ وخلق عوالم رمزية خاصة به نظرا لقدرته على الانفلات من قيود الاكراهات الموضوعية . ومع ذلك فالشخص يخضع لمجموعة من المؤثرات الذاتية والموضوعية ؛ تتحدد الأولى في البعد السيكولوجي ؛وتتجلى الثانية في البعد السوسيواقتصادى . لهذا ينظر إلى الشخص وكأنه بنية يتم التحكم فيها من خلال جملة من القواعد والقيم والقوانين التي تمارس عليه فعلها وتلزمه بالامتثال ومع ذلك لازال الإنسان مقتنع بأن له هامش من الحرية يمكنه التصرف فيه ، فإذا نظرنا إلى الشخص باعتباره وعيا لذات عاقلة كما تصور ذلك ديكارت وكانط ؛ فإن هذا الوعي هو في حد ذاته خطوة جبارة نحو التحرر من خلال إدراك الحتميات للحد من تأثيرها المتواصل . ( راجع درس الشخص بين الحرية والضرورة) .

إن مسألة الحرية والحتمية شكلت مجالا للبحث في الفلسفة والعلم ؛ وجاءت الإجابات مختلفة ومتناقضة . عند الفلاسفة اليونان ارتبط الوعي بالحرية بالطبيعة ، فالإنسان الحر هو الذي يستطيع أن يحقق قدرا من الانسجام والتناغم مع الطبيعة و:ان الميل الطبيعي للأشياء يحدد مصيرها . من هنا جاء التقسيم الأفلاطوني للنفس البشرية إلى شهوانية وغضبية وعاقلة ؛ فالأولى والثانية لا يعرفون الحرية لأنهم عبيد إما للأهواء أو القوة العضلية . أم العقلاء فهم أحرار لأنهم تحرروا من الغرائز ، ولأنهم اكتسبوا القدرة على السمو بالنفس إلى عالم الكمال عالم الفضيلة فهم أحرار .عكس الآخرون ضلوا عبيدا للأهواء والغرائز ، ولا يستطعون ادراك الخير .

ورغم تأثر الفلاسفة المسلمون بالفلسفة اليونانية ظل النص الديني حاضرا بقوة في تفكيرهم ، وشكل المقدس المكون الأساسي للمفاهيم الفلسفية ك العقل ، اللغة ، الحقيقة ، الحق ، العدالة ، السعادة، الحرية ... كل هذه المفاهيم استمدت مضمونها من النص الديني لتتخذ بعدا ينسجم ومقاصد الشريعة لا مع مرامي العقل . إذن السعادة من هذا المنظور هي استعداد عقلي لبلوغ الحكمة ، كما هي استعداد روحي من خلال مجاهدة النفس مع أهل العرفان ( راجع درس السعادة ) . ونفس الشيء الحرية هي استعداد عقلي وروحي لبلوغ الكمال والتحرر من الأهواء . مع استحضار قوة الأمر الإلهي في تحديد طبيعة الكمال المرجو الوصول إليه . وبلغ الفهم إلى حد القول بمسألة الجبر والاختيار تحت الضمان الإلهي . أو القول بهما معا ( الاختيار والجبر) . ما كان يؤطر الفرق الكلامية ( الهاجس المرتبط بالسلطة) وليس المفهوم في حد ذاته . ولم تتضح الرؤية نوعا إلا مع الفلاسفة الذين لم يأتوا بجديد سوى أنهم أضفوا بعدا فلسفيا على المسألة . وهذا ماحاول إبرازه ابن رشد حين شدد على أن الجبر والاختيار مرتبطين لا يمكن الفصل بينهما . فالحرية تتجلى في قدرة الإنسان على الإتيان بالأضداد ، الخير والشر ، لكنه في نفس الوقت يخضع للحتمية الطبيعة والجسدية التي من خلق الله .

أما سبينوزا فتحدث عن وهم الحرية ، لأن الناس يعتقدون بأنهم أحرار لكنهم يجهلون علل أفعالهم . أم كانط يرى بأن الحرية خاصية الموجودات العاقلة ، فالإنسان كغاية يتمتع بالاستقلال الذاتي الذي يعني حرية الإرادة وهكذا يختار كل فرد بحرية ( بإرادة ) مايريد فعله يقول كانط " افعل فقط طبقا للمبدأ الذاتي الذي يجعلك تقدر على أن تريد له في الوقت نفسه أن يصير قانونا كليا " (راجع درس الواجب ) .

أما ميرلوبونتي في كتابه" فينومونولوجيا الإدراك " يقول إن الحرية هي جوهر الوجود الإنساني والوعي ما هو سوى القدرة على الإنفلات من الإكراهات لأن العقل بمقدوره تجاوز القيود ولكن دون السقوط في الحرية المطلقة كما كان يعتقد سارتر . فالإنسان الى جانب الآخرين يمارس حريته ضمن الحدود التي يضعها المجتمع ، وهذا لاينقص من الحرية شيئا بقدر ما يحفظها بالحفاظ على خصوصية الغير .

تعتبر إشكالية الحرية والحتمية متجددة بتجدد شروط الوجود البشري ، فالتقدم العلمي الذي حققه الإنسان ولد لديه مخاوف جيدة ، ولم تعد الشروط الاجتماعية ولا الفكرية كفيلة لحل هذه الإشكالية . لأن الانتصارات التكنولوجية خدمت الحرية من ناحية وحاصرتها من ناحية أخرى مثال وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة التي أصبحت سيفا دو حدين ؛ لهذا طرحت مسألة ديونتولجية المهنة ( راجع درس الواجب ) . لم تعد الحرية حسب اعتقاد العروي متعالية عن الواقع بل محايثة له . إنها عملية تحرير دائمة تحتك بمثيلاتها ، إنها محاولة " التصالح بين حرية الوجدان وحتمية العلم الطبيعي " .

2- الحرية والإرادة

لقد رأينا بأن الحرية والضرورة شكلت مجالا للبحث في الفلسفة والعلم ، واختلفت طبعا الإجابات ، في التصور الميتافيزيقي للمفهوم

لم يكن لمسألة الضرورة أهمية لأنها خارج العقل ، بينما في العلوم الإنسانية كانت الضرورة حاضرة في الفعل الإنساني . والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل الفعل الحر ناتج عن إرادة حرة ؟

لنتذكر القاعدة التي أسس عليها كانط مبدأ الواجب : قاعدة الحرية أو الإرادة يقول " تصرف دوما بحيث يمكنك أن تعتبر نفسك بمثابة مشروع وبمثابة ذات فاعلة في مملكة الغايات التي تجعلها حرية الإرادة أمرا ممكنا " هذا القول لكانط يربط الحرية بالإرادة لأنها مصدر الأمر الأخلاقي المطلق إذن مبدأ الإرادة يمثل المبدأ الأخلاقي الأسمى ( راجع درس الواجب) . وبالتالي الحرية تساوي الإرادة .

في حين يدهب ديكارت إلى القول بأن الإنسان كائن حر وتقوم حريته على الإرادة التي هي ملكة الفعل وتستمد مكوناتها من ملكة العقل الفطري ولا تخضع لأي عامل خارجي يقول ديكارت " ولما كانت إرادتي بمثل هذه القوة فهي على وجه الخصوص الأمر الذي يجعلني أحكم .." ذلك لأن هذه الإرادة تمتلك المعرفة .

أما سارتر صاحب فكرة الإنسان مشروع يرى بأن الإرادة شرط للحرية ؛ لأن الإنسان قذف به في هذا العالم فهو مسئول عن أفعاله يتحكم في هويته وحياته واختياراته . وبالتالي يتصرف وفق إرادته وإمكاناته.

هناك نوع من الخلط بين الحرية والإرادة entre la liberté et la volonté ففي الفلسفة المثالية يمزجون بين المفهومين وكأن الفعل الإنساني ناتج عن إرادة حرة خارج العالم الموضوعي ، لكن واقع الأمر هو أن العالم الموضوعي يلعب دورا في تحديد أفعال الإنسان لقد كتب أنجلز في رده على دوهرينغ إن حرية الإرادة لا تعني شيئا إلا المقدرة على اتخاذ القرار .

3 – الحرية والقانون

حين تنازل كل فرد على حقه الطبيعي من أجل سلطة عليا و أسس مشروع الدولة فإنه كان يسعى إلى إيجاد شروط واقعية للحفاظ على حقه ووجوده وضمان حريته . فالإنسان لم يشعر بحريته إلا داخل المجتمع المنظم الذي تحكمه القوانين مجتمع التعاقد . وقد أعطى فلاسفة الأنوار معنى للحرية بحيث أصبحت موازية لما تسمح به القوانين لأن هذه الأخير هي الوحيدة التي تضمن الحرية كحق ( راجع درس الحق والعدالة )

يرى هوبس بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين ؛ وبذلك رفض الحرية الغير المقيدة ، فخوف الإنسان من الموت وميله إلى السلم والآمان جعله يؤمن بأهمية القانون " السلطة " للحفاظ على الحرية . فما تجيزه القوانين العادلة خير ضامن للحرية . لكن ألا يمكن أن يتحول القانون الى عامل مهدم للحرية ؟ هذا ما عارضه كونستان الذي بين بأن القانون قد يكون عامل معطل للحرية .

إن الحرية باعتبارها مطلبا للجميع تفترض أن يتوفر نظام عادل وقوانين عادلة تضمن الحد الأدنى من التعايش والسلم بين أفراد المجتمع الواحد ، ويكون المجال السياسي مفتوح للجميع لممارسة حرية الفعل والكلام .

mardi 6 mai 2008

االأخلاق : الواجب----- السعادة

الأخـــــــــــــلاق

يعتبر موضوع الأخلاق أحد المواضيع الأكثر إثارة لأنه يهتم بما هو معياري قيمي . يهتم بنموذج السلوك الإنساني في علاقاته مع ذاته ومع الغير سواء كان هذا الغير فردا أو جماعة . كما تمثل الأخلاق شكلا من أشكال الوعي الذاتي وظيقتها ضبط وتنظيم سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية... وكابحا للنوازع العدوانية . مثال الأسرة ،الجماعة ، الإقتصاد ، الصحافة ، السياسة ، العلم ، الدين ، ...

إن كل ما يخضع للقاعدة يخرج عن الطبيعة ، وبمجرد ما تظهر القاعدة حتى تبدأ القيم بالتشكل ،و يكون الفاعل الإجتماعي هو المكون الأساسي للأخلاق والقيم ؛ تسعى كل أمة أن تكون لها قيم ومبادئ و تعمل على تثبيتها وتمريرها الى الأجيال بواسطة التربية سرعان ما تصبح تلك القيم ملزمة لا يجوز تجاوزها .

الأخلاق تعنى بدراسة السلوك على ضوء القواعد الأخلاقية وفق معايير للسلوك الفردي والجماعي وهي ethos تعني مجموعة من المثاليات والقيم ، وتختلف عن لفظة déontologie المشتقة من الكلمة اليونانية déontosالذي يعني ما يجب فعله ،وlogos تعني علم ؛ أي علم يدرس الواجبات ، و كلمة ديونتولوجي مرادفة للأخلاق المهنية التي تحدد المعايير الأخلاقية والسلوكية المهنية المراد إتباعها أثناء ممارسة مهنة ما ؛ وهي معايير تتبناه جماعة مهنية معينة ؛ ولكل مهنة أخلاقيات ( الميثاق الأخلاقي) .

تختلف المسؤولية القانونية عن المسؤولية الأخلاقية ؛ فالمسؤولية القانونية تتحدد بالتشريعات تقوم سلطة تنفيذية بتطبيقها ،أما المسؤولية الأخلاقية تتعلق بالفرد والجماعة وهي مسؤولية ذاتية تتعلق بضمير الفرد والجماعة .

نستنتج أن حقيقة الوجود الإنساني تتميز ببعدها الإلزامي والإلتزامي ؛ إلزامية القوانين ، والتزامه الأخلاقي . وضمن هذه الثنائية يسعى إلى بلوغ الكمال بلوغ السعادة والرضي ، بلوغ وضعية يشعر فيها بأنه قام بواجبه اتجاه ذاته واتجاه الغير . وطبعا هذا لن يتحقق إلا إذا توفر شرطين أساسين الحرية وقوة الإرادة لكن طبيعة القيم الأخلاقية تدفعنا إلى ضرورة التفكير في مسألة الضرورة والحرية ؛ لأن الفرد والجماعة يتحركان داخل مجال تحدده القوانين والأخلاق يدفعهما إلى إبداع أسلوب عيش منسجم مع وضعية الإلزام والالتزام .

الواجـــــــــــب le devoir

الحديث عن الواجب يدفعنا إلى الحديث عن الضرورة والإكراه والالتزام مثال : في حالة الإكراه السجين تسلب منه حريته كعقاب له وفي حالة الالتزام الأخلاقي مساعدة المحتاج فعل أخلاقي . هذا يجعلنا نفكر في المعنى المعياري للمفهوم حين يتعلق الأمر بالأخلاق والقيم ، وفي المعنى الواقعي للمفهوم حين يتعلق الأمر بالإكراه والعنف .

فالقيام بالواجب يعني الخضوع للقاعدة وهذا يضمن مبدأ الحق ويجعل القانون يسود . فلا واجب بدون حق ولا حق بدون واجب إذن الواجب هو ما يتوجب القيام به ضمن مجال الحرية مثال الواجب الديني ، الواجب الاجتماعي ، الواجب السياسي ... وهنا يظهر دور المؤسسة التربوية والأسرة والمجتمع في ترسيخ مفهوم الواجب وتهذيب سلوك الفرد لجعله سلوكا متميزا وذا قيمة أخلاقية ؛ من خلال تحديد الواجبات المتعلقة بالسلوك وبالحياة اليومية الذاتية والمهنية وتلقينها للنشأ إذ سرعان ما تصبح تلك الواجبات تمارس قهرها على الفرد ، فحق التمدرس مضمون يقابله واجب مدرسي على التلميذ الالتزام به كذلك حق العمل مضمون يقابله واجب مهني ... أي أن الواجب يرتبط بالحق لهذا يتخذ الواجب بعدا إكراهيا سواء من خلال القوانين والمجتمع ، أو من خلال القهر الذاتي المتمثل في الضمير .

1- الواجب والإكراه

كانت الفلسفات القديمة تنطلق من مفهوم الانسجام والتناغم ، فأسست رؤية خاصة للعقل ، للعدالة ، للحق ، للواجب ... فالإنسان السعيد هو ذلك الإنسان المنسجم مع طبيعته وغاياته العقلية فأبيقور يرى أن ما يوافق طبيعة الإنسان هي اللذة الروحية ، وذهب الرواقيون إلى القول لا تتحقق السعادة إلا إذا عاش الإنسان في توافق مع طبيعته .

باختصار الفلسفات القديمة جعلت من الفضيلة أساس السعادة والخير . هذا التصور الماهوي لمفهوم الأخلاق والواجب والعقل والحق والحرية .. أصبح متجاوزا مع العقلانية الحديثة فنجد كانط في كتابه " أسس ميتافيزيقا الأخلاق" وضع تصورا للفعل الأخلاقي باعتباره ضرورة عقلية يظهر على شكل واجب نابع من ذات الإنسان التي تتمتع بالحرية ، إن المصدر الأساسي الذي يجب على الجميع الانطلاق منه هو العقل والحكم الأخلاقي وبهذا الشكل يكون الإكراه يفرضه العقل ، إنه إكراه حر ، خال من أي بعد نفعي ، إنه أمر أخلاقي كوني يِؤسس مبدأ الواجب كما تصوره كانط وفق قاعدة :

- الكلية " تصرف كما لو أنه يتعين على القاعدة التي تحكم سلوكك أن تنصب من طرف إرادتك كقانون كوني للطبيعة "

- والتنزيه " تصرف بطريقة تجعلك تعامل الإنسانية ، في شخصك كما في الآخرين ، دوما وعن نفس الوقت ، كغاية (في ذلتها) وليس أبدا كمجرد وسيلة "

– و الحرية أو الإرادة . " تصرف دوما بحيث يمكنك أن تعتبر نفسك بمثابة مشروع وبمثابة ذات فاعلة في مملكة الغايات التي تجعلها حرية الإرادة أمرا ممكنا "

إن الواجب الأخلاقي يسمو و لا يمكن أن نساويه بالواجب الاجتماعي ؛ إنه واجب لكل الكائنات كوني . كان كانط يهدف إلى تأسيس أخلاق كونية يقينية ثابتة مطلقة . لكن فكرته تعرضت لانتقادات كثيرة ، فالواجب المطلق لا يؤسس للمساواة ، إضافة إلى إفراغه لمبدأ الواجب من البعد الواقعي . وكأن الضرورة أو الإكراه مصدره العقل العملي والإرادة الحرة .

لقد رفض التصور الاجتماعي البعد التأملي للأخلاق ،وللواجب ، وللحق .. ذلك أن الواقع الاجتماعي بمختلف أشكاله يلعب دورا في تشكل القيم ؛ فقد اعتبرت الماركسية الأخلاق انعكاس للواقع الاجتماعي ؛ فالأخلاق السائدة هي أخلاق الطبقة المهيمنة . في حين يرى دوركاهيم وليفي برول بأن الأخلاق هي ظاهرة اجتماعية تمارس قهرها أي أن الفرد ملزم ومقيد ، فما استحسنه المجتمع أصبح واجب أخلاقي وهو بالتالي واجب اجتماعي . إذن الواجب يكتسي طابعه الإكراهي من المجتمع .

أما اليوم فيجري نقاش حاد حول مسألة الواجب ، وكيف يمكن إحياء ثقافة الواجب بعيدا عن الديماغوجية ؛ وهذا يقتضي إحياء روح المواطنة كنموذج تعاقدي إذ أصبح التجديد موقوف عليه من خلال إدماجه في المسؤوليات .

كانط : الواجب أمر أخلاقي وهو بمثابة تعبير عن قانون عقلي

دوركاهيم : نمارس الواجب وفق القاعدة الأخلاقية

يمارس العقل إكراها على الإرادة وهذا هو الأمر الأخلاقي :

- الأمر الأخلاقي المشروط يرتبط بالضرورة

- الأمر الأخلاقي القطعي ؛ غير مشروط وهي ذات صبغة كونية كلية

خلاصة : هناك أمر واحد قطعي تشتق منه الأوامر الأخلاقية المشكلة للواجب

النتيجة الأمر الأخلاقي يؤسس لمبدأ الواجب وفق قواعد :

- الكلية

- التنزيه

- الحرية أو الإرادة

نظرة كانط لمبدأ الواجب ، الأخلاق ..نظرة ميتافيزيقية

الواجب في علاقته بالإلزام والرغبة

يجب أن تكون الغاية الأخلاقية مرغوب فيها إلى جانب كونها إلزاما

الصفة الأولى للفعل الأخلاقي هي الإلزام

الصفة الثانية للفعل الأخلاقي هي أنه مرغوب فيه

لكن الرغبة تربط بأمر القاعدة المعيارية

الواجب يتميز بنوع من الإكراه

النتيجة :

نمارس الواجب وفق القاعدة الأخلاقية

نمارس الواجب وفق ما هو مرغوب فيه

نظرة دوركاهيم لمبدأ الواجب واقعية ترتبط بالمجتمع

يقول كانط " عندما أتصور أمرا شرطيا على وجه الإجمال فإنني لا أعرف مقدما ما سوف ينطوي عليه الواجب حتى أعطي الشرط الذي يقوم عليه . أما إذا تصورت أمرا قطعيا ، فإنني أعرف على الفور ما ينطوي عليه .... إذن فليس ثمة غير أمر قطعي واحد ، يمكن التعبير عنه على النحو التالي : افعل فقط طبقا للمبدأ الذاتي الذي يجعلك تقدر على أن تريد له في الوقت نفسه أن يصير قانونا كليا " إذن جميع أوامر الواجب تشتق من هذا الأمر القطعي المنبثق من العقل العملي إلى جانب الإرادة ، أي أن كانط يستبعد واقعية الفعل الأخلاقي ، ويضع له قواعد على أساسها يتحدد مبدأ الواجب .

على عكس التصور الكانطي العقلي نجد دوركاهيم وهو عالم اجتماع يقول أن أصل الواجب المجتمع . يقول دوركاهيم " كلما أجلنا الفكر لنعرف كيف يجب علينا أن نفعل كلمنا صوت من داخلنا وقال : هذا واجبك وإذا ما أخللنا بهذا الواجب الذي قدم لنا على ذلك الشكل ، قام نفس الصوت فكلمنا واحتج على ما فعلنا . ولما كان ذلك الصوت يكلمنا بلهجة الأمر والنهي ... ندرك الحقيقة وراء الرمز وهذه الحقيقة هي المجتمع . إذ المجتمع هو الذي وضع فينا عند تربيتنا تربية أخلاقية ...فإذا تحدث ضميرنا كان المجتمع هو المتحدث فينا ... فالواجب هو الأخلاق من حيث هي تأمر وتنهى ... ولئن كان من اليسير أن تنبين أن الواجب هو المجتمع من حيث يفرض علينا قواعده " ' التربية الأخلاقية '

2 – الوعي الأخلاقي

الوعي هو أعلى أشكال انعكاس الواقع الموضوعي وهو كائن في الإنسان وحده ويمثل مجمل العمليات العقلية التي تشترك ايجابيا في فهم الإنسان للعالم الموضوعي ولوجوده الشخصي ، ويرتبط بظهور اللغة التي كان لها تأثير كبير في ظهور الوعي .إذ أصبح الإنسان بإمكانه إدراك صفات الأشياء وإدراك علاقاته بذاته وبالآخر وبالأشياء وهناك مستويين من الوعي كما حدد ذلك لالاند :

- الوعي النفسي : هو حدس الفكر لحالاته وأفعاله وواقعه

- الوعي الأخلاقي : خاصية تمكن الإنسان من تقييم أفعاله وإصدار أحكام معيارية حول القيمة الأخلاقية لتلك الأفعال .

ما مصدر الوعي الأخلاقي ؟

سبق لكانط أن قال بأن مصدر الواجب العقل العملي والإرادة ، ونفس الشيء يجد الوعي الأخلاقي جذوره في ملكة العقل . إنه وعي ذاتي فطري . أما روسو فقد كان يعتقد بالطبيعة الخيرة للإنسان مما يتولد لديه إحساس بالخير ؛ وهكذا الوعي الأخلاقي عند روسو وعي محايث للذات إنه معطى فطري . فالأحكام الصادرة عن الإنسان تكون نابعة من أحاسيسه الفطرية وهي كالتالي : حب الذات ، الخوف من الألم ، الخوف من الموت ، الرغبة في العيش ، وطبعا هذا لا يكفي مما يجعله يميل إلى الاجتماع لسد باقي حاجاته التي يعجز على تحقيقها بمفرده ؛ وبالرغم من ذلك يبقى الوعي غريزة كامنة في النفس البشرية .

ما نلاحظه هو أن الفلسفات القديمة والحديثة كانت لها نظرة ماهوية للأخلاق ، ترى فيها كيان معياري محايث للذات لا يخضع لأي مؤثرات خارجية . فالوعي هو وعي أنطلوجي بالدرجة الأولى .يعبر عن الجوهر الثابت والمطلق .

لكن الأبحاث العلمية أوضحت الدلالة النفسية والاجتماعية والتاريخية للوعي . مع فرويد يجد الوعي أصله في البنية النفسية : الأنا ، الأنا الأعلى ، الهو . وضمن العلاقة المتوترة بين الأنا والأنا الأعلى يتشكل الوعي ، والوعي الأخلاقي ، باعتباره جهازا يمارس الرقابة . ومع ماركس يجد الوعي جذوره في العلاقة المتوترة بين طبقات المجتمع .

خلاصة القول لم يعد الوعي كيانا متعاليا ، بل نتيجة لواقع نفسي ، واجتماعي ، وتاريخي ، وثقافي ... . لقد اظهر نيتشه بان الإنسان قادر على التفكير والإبداع دونما حاجة إلى الوعي ، أي أن الحياة ممكنة دون أن تتأمل ذاتها ، مبرزا بذلك الطابع السطحىللوعى

فرويد : التحليل النفسي لمفهوم الوعي الأخلاقي

كيتجنشتاين : البعد التاريخي للوعي

3– الواجب والمجتمع

أشرنا في بداية الدرس إلى أن الواجب يتميز ببعده الإكراهي ، وبينا بأن مصدر الأخلاق يختلف باختلاف تصورات الفلاسفة ، ولقد وضح كانط بأن الأمر القطعي تشتق منه الأخلاق وتحدد الواجب ؛ في انسجام مع العقل العملي والإرادة الحسنة ؛ إذن الأخلاق بمجملها ترتبط بالفرد كذات واعية . وبالتالي علاقة الواجب بالمجتمع في نظر كانط غير مبررة واقعيا ؛ بقدر ما هي ميزة الذات العاقلة وهذا ما يعطيها بعدا كونيا ومطلقا وثابتا ؛ إن الصفة التي يعطيها كانط للأخلاق صفة التعالي وبالتالي الواجب يكتسي ذات الصفة . مما يجعلنا نطرح السؤال التالي هل الإنسان يخضع للضمير الفردي أم للضمير الجمعي يلعب دورا في القيام بالواجب

لقد بينت الدراسات السوسيولوجية والنفسية بأن البني الاجتماعية والنفسية تلعب دورا كبيرا في تشكل الأخلاق وبلورة مفهوم الواجب . لهذا يكون للتربية الأخلاقية دورا في بناء الوعي وإذكاء روح الواجب لدى الفرد والجماعة . فالمجتمع بمكوناته يتحكم سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالفرد بل وتحدد أحيانا سلوك الأفراد والجماعات ؛ لهذا يمارس المجتمع نوعا من القهر من خلال رسم معالم الإمتثال للواجب . أي أن الفعل الأخلاقي لا ينبع من الإرادة الحرة الفردية ( ذاتي) كما تصور ذلك كانط ولكن ضمير المجتمع يتحكم بصورة مباشرة ورمزية في سلوك الأفراد والجماعات ( التنشئة الإجتماعية) . إن المجتمع يمثل قوة إلزامية ويفرض نموذج السلوك تبعا طبيعة للوظائف والمهام التي يقوم بها الأفراد داخل المجتمع ، هكذا تتعالى سلطة المجتمع على سلطة الفرد . ويرسم معالم الإمتثال للواجب بكل أنواعه .

في مقابل هذين التصورين نجد برغسون يبتعد عن الطبيعة الستاتيكية للمفهوم ، ويقترح بعدا ديناميكيا للأخلاق ، للواجب ... بالإنفتاح على ما هو إنساني .

إن إشكالية علاقة الواجب بالمجتمع أحيت وبصورة حادة نقاشا حول ثقافة الواجب لدى المواطنين وهذا يتوقف على رهان مبدأ روح المواطنة كنموذج تعاقدي من خلال إدماجه في المسؤولية والرغبة في تحقيق مجتمع مدني أساسه الحق والعدالة والإنصاف ضمن مجال يمكن تجاوز الذاتي إلى الجمعي والكوني من أجل تحقيق إنسانية الإنسان والانفتاح على ثقافات أخرى لتعزيز ثقافة التعايش والسلم بين الشعوب . والتخفيف من العنف المادي والرمزي داخل المجتمعات .

ماكس فيبر : هناك فرق بين أخلاق الاعتقاد وأخلاق المسؤولية

راولز : الواجب هو نوع من التضامن الاجتماعي

الفعل الإنساني يخضع لتوجيهين أساسين :

- توجيه أخلاق الاعتقاد (دين ،أيديولوجية)

- أخلاق المسؤولية : القانون المحاسبة ( مؤسسة)

هناك ترابط وتضارب بينهما

الذي يتصرف وفق مبادئ دينية مثلا يتوكل على الله

الذي يتصرف وفق مبادئ قانونية ينتظر المحاسبة

الأول يرجع كل الكوارث إلى الإنسان والمشيئة الإلهية

الثاني يحمل الإنسان مسؤوليته

نصير أخلاقيات الإقتناع لا يشعر بالمسؤولية فقط يعمل على إذكاء روح العقيدة النقية = أفعاله لها قيمة مثالية فقط

نصير أخلاقيات المسؤولية يحمل الفرد مسؤولية أفعاله = افعاله لها قيمة واقعية لأنه يحاسب عليها

يدعو راولز إلى إقامة نوع من العدالة بين الأجيال

أجيال اليوم التي تتمتع بالاكتشافات التكنولوجية عليها أن تفكر في أجيال المستقبل

واجب التضامن مع الأجيال القادمة

يقسم فيبر الواجب الأخلاقي إلى نوعين : عقيدي ، وقانوني . فالأول ينبني على ما هو روحي مثالي يرتبط بما هو ذاتي يكون فيه الفرد غير مسئول رهين القناعات الروحية والإملاءات العقدية ، صوت العقل لا دور له بل صوت الروح صوت الخالق هو الذي يتحكم في الفعل الإنساني أفعال الإنسان لها قيمة مثالية . أما أخلاق المسؤولية التي تصدر عن الفرد بكل وعي وحرية فيتحمل نتائج أفعاله ، ويحاسب عليها .

أما راولز فيتحدث عن الواجب باعتباره نمطا من التضامن بين الأجيال ، فكل جيل عليه مسؤولية تهيئ الظروف للجيل اللاحق على أساس العدالة .

السعــــــــــــــــــادة

- "Tous les hommes recherchent d'être heureux..." (Pascal)

لم تعد المجتمعات المعاصرة تعيش حالة انغلاق أو عزلة ؛ كما لم تبق القيم جامدة ، نظرا لتغير عادات وطبائع الناس ، فالرهان السياسي الذي قطع على نفسه خلق مجتمع متجانس خال من العنف لم يتحقق ، وهكذا فالسعادة الموعودة تبقى مسألة بعيدة المنال إن لم نقل مستحيلة في ظل النظام الاقتصادي والاجتماعي الجديد الذي تحكمه قيم السوق والنموذج الاستهلاكي . فالحاجات والرغبات التي خلقها النظام الجديد زادت من تعقيد وضعية الإنسان النفسية والاجتماعية ، تحول الإنسان إلى آلة استهلاكية بالدرجة الأولى مما أفقده الحس الجمالي والقيمي لوجوده ، وأنساه الهامش الإنساني الذي يجب أن يحقق فيه إنسانيته ، ليحقق فيه سعادته .

ما معنى أن نكون سعداء ؟ وما معنى السعادة ؟

إن تمثل الناس لمفهوم السعادة يختلف من فرد إلى آخر ، وقد تتغير بتغير الظروف الواقعية والنفسية والاجتماعية للفرد ؛ قد يجد البعض السعادة في تحقيق اللذة ، أو الأكل الجيد ، أو تحقيق الرغبات الحيوانية ، أو التمتع بالأعمال الفنية والأدبية ، أو اللذة الروحية كما قد يمثل السلام مصدرا للسعادة عند البعض ....

يقول ديكارت " إن مفهوم السعادة بلغ من عدم التحديد مبلغا جعل كل إنسان يعجز عن أن يقول في ألفاظ دقيقة ومتماسكة ما يرغب فيه " . للسعادة عدة أوجه لأن مصادرها متعددة بتعدد ميولات الناس واختلاف طموحاتهم ، ويمكن أن نجمل أشكال السعادة فيما يلي : مادية ، عقلية ، وجدانية .

هل السعادة ترتبط بالفرد أم بالجماعة ؟ ثم ما هي مكونات السعادة ؟

قبل أن نعطي تعريفا أوليا لمفهوم السعادة لا بد من تحديد تجليات السعادة التي يمكن حصرها فيما يلي : (مظاهر)

- الفرح : اللبنة الأساسية والأداة الضرورية التي تعبر عن حالة الإشباع ؛ إذن يتولد شعور بالرضا بعد الإشباع يؤدي إلى حالة من الفرح ، وهو الحلقة التي تجمع بين اللذة والسعادة

- المتعة والبهجة : إحساس يتملك الفرد بعد تحقيق هدف ما سواء كان ماديا أو معنويا أو روحيا .

- الحب : بمجرد ما يؤسس الفرد حريته حتى يسعى إلى تحقيق نوع آخر من السعادة في علاقته بالآخر فردا كان أو جماعة من خلال الحب والصداقة .

ما معنى السعادة ؟ بتعريف ديكارت " هي حكم حول الوجود c’est un jugement sur l’existence إنها حالة شعورية تتجاوز الآني إلى الوعي .

وبتعريف برونو فورتان وهو طبيب نفساني le bonheur est le degré selon lequel une personne évalue positivement la qualité de sa vie dans son ensemble

1 – الدلالة الفلسفية للسعادة

انطلقت الفلسفات القديمة من نظرتها للإنسان باعتباره ماهية أو جوهر ، وبالتالي تتحدد السعادة في علاقتها بالإنسان من حيث هو إنسان . يقول ابيقور " إن اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها " وهي الخير الأول الموافق للطبيعة ، من خلال قصيدته لوكراس " في الطبيعة " عرض ابيقور مبادئ السعادة ؛ وهي الالتزام بفضائل أخلاقية كالصداقة والعون والاستجابة لنداء الجسد . أما أفلاطون فقد ميز بين الشيء وماهيته ؛ بين الثابت والمتغير ؛ فالسعادة في نظره لا تكمن في المتغير ، بل التجانس والانسجام مبدأين أساسين لبلوغ السعادة ولا يتم هذا إلا عن طريق التأمل الصاعد لتطهير النفس من الأهواء . السعادة = حكمة إدراك عقلي لفكرة الخير الأمثل والجمال الأمثل ...

لقد كتب أرسطو كتابه الأخلاق إلى نيكوماك أن الكل يعود إلى الأصل الجوهري ،وأن كل الأفعال تنتهي إلى الخير الأسمى ، الفضيلة التي هي السعادة المرجوة لأنها مطلب عقلي .

باختصار ترتبط السعادة بالنفس العاقلة التي تنزع إلى الفضائل السامية عبر التأمل العقلي ؛ وتأتي كتتويج لأفعالنا الخيرة وتنهي بالرضي الكلي حين نحق الانسجام والتناغم المرجو مع الطبيعة . فالسعادة في نظر اليونان لا تنتج من خلال الإشباع الغريزي ، أي لا ترتبط بما هو حسي ،إنها حالة من السمو الذاتي إلى عالم الكمال عالم المثل .

أما الفلسفة الكلاسيكية والحديثة ، فديكارت يرى أن الحقيقة وحدها قادرة أن تجعلنا سعداء ، إنها غاية عقلية محضة . أم كانط فالسعادة مستحيلة التحقق ماديا ؛ وليس لأي كان أن يقول بأنه سعيد ؛ يجب أولا التمييز بين المبدأ الأخلاقي ومبدأ الحكمة ، فقواعد الأخلاق تشكل قواعد مادية صادرة عن التجربة لهذا الأمر الأخلاقي في نظر كانط خاضع لقواعد عقلية كلية تلزمنا بالخضوع وقد يتطلب هذا أحيانا التضحية بالسعادة ( راجع درس الواجب ) . إن القاعدة الأخلاقية لا تعلمنا كيف نكون سعداء بل تعلمنا كيف نكون جذرين بالسعادة يقول كانط " إن السعادة هي مثل أعلى لا للعقل بل للتخيل "

ورغم تأثر الفلاسفة المسلمون بالفلسفة اليونانية ظل النص الديني حاضرا بقوة في تفكيرهم ، وشكل المقدس المكون الأساسي للمفاهيم الفلسفية ك العقل ، اللغة ، الحقيقة ، الحق ، العدالة ، السعادة ... كل هذه المفاهيم استمدت مضمونها من النص الديني لتتخذ بعدا ينسجم ومقاصد الشريعة لا مع مرامي العقل . إذن السعادة من هذا المنظور هي استعداد عقلي لبلوغ الحكمة ، كما هي استعداد روحي من خلال مجاهدة النفس مع أهل العرفان .

السعادة في الفكر الإسلامي لا ترتبط بما هو مادي كإرضاء للحواس " لأن الملذات الحسية مشتركة بين جميع المخلوقات الحيوانية"فالسعادة ترتبط باللذة العقلية والذوق الوجداني .

السعادة في نظر الفارابي غاية كل إنسان وهي تطلب لذاتها وأعظمها الكمال الإنساني ولا تتحقق إلا بالحكمة التي بها ننال السعادة من خلال قوة العقل الذي هو ملكة فطرية حاصلة لنا قبل كل شيء .

لقد أجمع الفلاسفة المسلمون على أن السعادة لا تنال إلا بالنظر الظني الذي ينير الطريق للعقل حتى يستلهم العلم الرباني ، وكان لا سعادة خارج الذات والوجدان وما عداها وهم وخداع . فالفضيلة تكمن في تشوق النفس إلى الكمال عن طريق التأمل والنظر الظني وتهيئ النفس لقبول الفيض ونيل السعادة . هذا التصور يقربنا من أهل العرفان الذين يزيلون كل وساطة بين الذات والخالق ، إنهم أولياء نزعوا على أنفسهم الحدود والفواصل والقيود ؛ يرون الحقيقة ويعيشون السعادة بقلوبهم عن طريق بدل المجهود بالانتقال من حال الى حال لبلوغ السعادة القصوى ، فيتحقق الإتحاد والفناء والحلول والكشف . وكانت شطحات البسطمي والسهروردي والحلاج

محاولات للتعبير عن هذا الإشراق الروحي .

خلاصة القول الفلاسفة والمتصوفة التقوا واختلفوا التقوا حين اعتبروا السعادة سمو عن اللذة البدنية ، واختلفوا في طريق السعادة . فالنظر العقلي يجعل السعادة حاصلة تحت الضمان الإلهي ، والكشف الوجداني يجعل السعادة حاصلة تحت الضمان الإلهي .

أرسطو : السعادة هي الخير الأسمى = الفضيلة

ابن مسكويه : السعادة بين التمثل العامي والتمثل العارف

2 – البحث عن السعادة

نبه أبيقور إلى ضرورة الانسجام مع الطبيعة من خلال معرفة الإنسان محدوديته لكي يحقق السعادة المرجوة لهذا قال " تحمل وعف" وحدها الفضيلة والقدرة على اجتناب الألم تؤدي إلى السعادة ؛ وكأني بالفلاسفة اليونان يرون تعاسة الإنسان تكمن في تهافته نحو إشباع اللذة والاستجابة لغريزته الطبيعية .

إن وضعية التوتر التي يعيشها الإنسان جعلت موضوع السعادة يحتل مكانة هامة في البحث الفلسفي والعلمي ( علم النفس علم الاجتماع ) وأصبح لهذا المفهوم وظيفة إيديولوجية تختفي خلفه تناقضات جوهرية تتعلق بالحق ، بالواجب ، بالعدالة ، بالقيم ، بالدولة ، بالعدالة ، بالإنصاف .... لم يعد الفهم الفلسفي القديم مقبولا فنجد روسو في كتابه أصل التفاوت يبحث في العوامل التي أدت إلى فقدان السعادة . إن الوضعية الجديدة التي أصبح يعشها الإنسان جعلت حاجاته تتطور وتتنوع ولم يعد هناك تكافؤ بين الرغبات والقدرات مما ولد حالة من التوتر أفقدته راحته الطبيعية وأدت به إلى حالة من الشقاء .

فالمدنية أسست لنمط جديد من العيش جسده المجتمع الاستهلاكي الذي ولد حاجات متزايدة جعلت الإنسان يلهت وراء سعادته من خلال إشباع حاجاته التي لا تنتهي . من هنا كان اهتمام علم النفس بالبحث عن معوقات السعادة يقول فرويد " لا تكاد دراستنا عن السعادة حتى الآن تزودنا بشيء عدى ما يعلمه الناس ... فلقد سبق أن أعطينا الجواب بالإشارة إلى المصادر الثلاثة التي ينبع منها الألم الإنساني : قوة الطبيعة ، وشيخوخة جسمنا بالذات ، وعدم كفاية التدابير الرامية إلى تنظيم العلاقات بين البشر ، سواء ضمن الأسرة أم الدولة أم المجتمع " يحدد فرويد معوقات السعادة في معوقات طبيعية ، ومعوقات ثقافية ؛ فالأولى تسعى إلى الإشباع فتصدم بالواقع الذي هو من صنع الإنسان فالتنظيم الاجتماعي والسياسي قائم على كبث غرائز وميولات الإنسان الطبيعية وإكراهه على التخلي عن حقوقه الطبيعية لهذا يعتبر فرويد الحضارة نشأت حين تم تحويل طاقة الإنسان اللبيدية إلى موضوعات للعمل هنا تولدت تعاسة الإنسان . لكن هل السعادة مطلب مستحيل ؟

إذا كانت الحضارة أنتجت وضعا جديدا متوترا ، فالإنسان يحاول باستمرار الانفلات من هذا التوتر بخلق مجالات للسعادة مثال الفن ، الآداب ... ولعل تنيمية الذوق وتربية رهافة الإحساس الفني والجمالي لدى الناس شكل من أشكال التخفيف من التوتر والحد من تعاسته . متجاوزا حالات الشقاء التي تحدث عنها شوبنهاور .

نص فرويد : عوائق السعادة ص 199 مباهج

3 – السعادة والواجب

إن حالة المدنية أخرجت الإنسان من حالة الطبيعة ؛ولم يعد بإمكانه الانغلاق على ذاته ؛ بل دخل في علاقات إنسانية ، غايتها خلق نوع من الألفة والتعايش ؛ من خلال الاعتراف بالغير ( راجع درس الغير ) لهذا حين يتحدث راولز عن الواجب يرى بأنه نمط من التضامن بين الأجيال ، فكل جيل عليه مسؤولية تهيئ الظروف للجيل اللاحق على أساس العدالة . ( راجع درس الواجب) فالظروف التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها هي السبيل إلى تحقيق الحد الأدنى من السعادة المتبادلة ، وهكذا تكتسي السعادة قيمة أخلاقية ، وتصبح واجبا نحو الذات والآخر .

إن السعادة في بعدها المطلق غير ممكنة ،لكن رغبة الإنسان في تحقيق سعادته رهين بقدرته على تحقيق توازن بين ما يرغب فيه وما توفره له الظروف ، وذلك بالتخلي عن أنانيته المفرطة ، والتخلي عن كل أشكال العنف ( راجع درس العنف ) وذلك بتوفير الحرية الممكنة للتعبير والإبداع والخلق ؛ إذ في هذا المجال يفسح المجال لمكبوثاته ورغابته كي تتحقق في صور إبداعية تولد الإحساس بالجمال والمتعة الروحية والإنسانية ؛ حينها يشعر بنوع من التوازن النفسي .

نص كانط : السعادة غير مستقلة عن القانون الأخلاقي 202 مباهج

jeudi 1 mai 2008

الحق والعدالة

الحــــــــــــق والعدالــــــــــــــة le droit et la justice

الحديث عن مفهوم الحقLe droit يجعلنا نستحضر مفهوم العدالةla justice . ويشير مفهوم الحق إلى ما هو مشروع وما هو مسموح به حسب القوانين ؛ كما يشير إلى الإنصاف ، أي أن الحق يجسد العدالة من خلال احترام وتطبيق القانون . و يرتبط بمبدأ الواجب le devoir.

الحق Le droit هو مجموعة من القواعد والقوانين المنظمة للحياة الإنسانية داخل المجتمع والتي تتيح الفرصة لممارسة الحق ، أو التصرف فيه داخل حقل الحرية مثال حق التجوال حق التعبير ... أي أن الحق يرتبط بالإنسان وبالحياة الإنسانية ويمثل العنصر الحضاري الذي بلوره الإنسان عبر التاريخ للتعبير عن شكل من أشكال العلاقات الإنسانية ، ويمثل المجال الذي تتحرك فيه الشخصية في علاقاتها مع الآخر سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة أو مؤسسة مثل الدولة الحزب النقابة ...

باختصار تطور المفهوم واتسع مدلوله ليشمل جميع المجالات ، السياسة ، الاقتصاد ، المجتمع ... أي شمل كل ما يتعلق بإمكانية تحقيق إنسانية الإنسان ، من خلال قبول احترام الغير وحق الاختلاف معه طبقا لقواعد تحافظ على التوازن بين القوى الاجتماعية ، لهذا يعكس الحق مجموعة من التجليات فهو السند الذي يرتكز عليه القوي لإضفاء المشروعية على قوته ، والضعيف لإضفاء المشروعية على مطالبه وكل منهما يؤول مفهوم الحق حسب الغايات والأهداف المتوخاة .

إن البحث في مجال الحق يؤدي إلى الخوض في مجالات أخرى اقتصادية اجتماعية سياسية أخلاقية إيديولوجية ؛ تؤدي بدورها إلى إشكالات جوهرية تتعلق بالعدالة ، الحرية ، الواجب ، القانون ، السلطة ، العنف ، السلام ، الديمقراطية ، المواطنة ، المجتمع المدني .

من هنا تبدو الأسئلة التالية مشروعة ويتعلق الأمر ب ما الذي يؤسس الحق ؟ الطبيعي أم الثقافي من أين يستمد الحق قوته من الإلزام أم من الالتزام ؟ بمعنى هل سلطة الإكراه هي التي تمنح الحق قوة وجاذبية أم قيمته الأخلاقية ؟ وكيف نفسر بأن الحق هو إلغاء للعنف وإصلاح للحرية ؟ ما علاقة الحق بالعدالة ؟ .

1 – الحق بين الطبيعي والثقافي

يرتبط مبدأ الحق بالإنسان وبحياته اليومية ويمثل الوضعية التي انتقل فيها من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة ؛ فالحالة الطبيعية ارتبطت بما هو فطري وعام ومشترك لا يخضع إلا لقانون الطبيعة . بينما الثقافي يمثل الجانب المكتسب وهذا خاص بالعنصر البشري ؛ ويظهر المكتسب بمجرد ما تظهر القاعدة التي تجبر الإنسان على الانضباط إليها . والقاعدة هي نتيجة محاولة الإنسان الخروج من وضعية لا يشعر فيها بالاستقرار وضعية تجعله خاضعا لقانون الطبيعة الذي لا يعير للقيم والأخلاق والعقل قيمة . هنا ظهر مبدأ الحق كمجموعة من الضوابط القانونية والاجتماعية والأخلاقية لتنظيم حياة الإنسان .فمن أين يستمد الحق مشروعيته ؟ وما هي الأسس التي يقوم عليها الحق ؟

للإجابة على هذا السؤال نستحضر توجهين متناقضين : توجه يرى بأن الحق يقوم على أساس طبيعي ، وآخر يقوم على أساس ثقافي .

نظرية الحق الطبيعي تقول بأن الفرد بحكم وجوده الطبيعي حر في أن يفعل ما يشاء وفق طبيعته الخاصة . ويمثل هذا التصور توماس هوبس الذي يرى بأن أساس كل الحقوق هي الطبيعة ، ويعتقد بأن الإنسان أناني بطبعه يرفض الحواجز ويميل إلى الحرية المطلقة والتصرف وفق ما تمليه عليه طبيعته للحفاظ على حياته وصيانتها ؛ وبما أن الإنسان يتصرف وفق طبيعته فإنه يعيش حالة حرب الجميع ضد الجميع مما ترتب عن ذلك قاعدة عقلية تقضي بأن يعمل كل إنسان ما في وسعه من أجل السلم . بهذا الشكل اضطر الإنسان إلى التنازل عن حقه الطبيعي ويضع السيادة في يد سلطة واحدة من أجل السلم . إن الرغبة في الحفاظ على الحياة في نظر هوبس دفعت بالأفراد إلى التخلي عن حالة الحرب حتى يضمن حالة من الاستقرار الاجتماعي .

أما سبينوزا فيرى بأنه لكي يعيش الناس في آمان كان لزاما عليهم أن يسعوا إلى التوحد في نظام واحد ويصبح الحق الطبيعي ينتمي إلى الجماعة لأن حالة الطبيعة تهدد حياة الإنسان ، وهذ ا ما دفع إلى البحث عن صيغة جديدة للحياة كتجاوز لمرحلة الطبيعة لأنها مرحلة توثر و صراع ؛ أي أن الميل الطبيعي نحو الحق المطلق انزاح ليترك المكان للعقل الذي وحده يستطيع توجيه الإنسان والتحكم في الشهوات والرغبات . ويصبح الإنسان يمارس حريته في حدود ما يسمح به العقل والتعايش مع الغير ؛ أي أن الإنسان تخلى عن طبيعته العدوانية .

لكن روسو يرى عكس كل من هوبس وسبينوزا ، مستبعد البعد العدواني في الإنسان فطبيعته خيرة بحيث كان الناس أحرارا ولم يكن تنازل الناس عن حقهم الطبيعي هدفه الخروج من الحرب كما تصور ذلك هوبس ولكن بسبب التطور الحضاري الذي أخذ أرقى شكل له في النموذج المدني المبني على التعاقد لا من أجل إلغاء الحقوق ولكن من أجل الحفاظ عليها ، أصبح العقد يجسد الإرادة العامة المكونة من مجموع الإرادات الفردية . يقول روسو " إن الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن خلف في الإنسان تغيرا جد ملحوظ حيث قام صوت الواجب مقام الاندفاعات الجسدية " بدأ الإنسان ينصت لصوت العقل صوت الواجب ، بهذا الشكل تجاوز مجتمع القطيع إلى مجتمع التعاقد والتعايش يقول روسو" ذلك ما كان أو وجب أن يكون أصل المجتمع والقوانين والتي سجنت الضعيف بقيود جديدة ومنحت الغني قوى جديدة فقضت على الحرية الطبيعية قضاء نهائيا وثبتت قوانين التملك والتفاوت " . وأصبحت الدولة البنية التي تمثل الجسم الاجتماعي بواسطة عقد اجتماعي من خلال تنازل الإنسان عن أنانيته يقول روسو" كل شخص منا يضع تحت تصرف الجماعة شخصه ، وكل قوة تحت قيادة الإرادة العامة " . ( من حق القوة إلى قوة الحق)

هوبس : أساس الحق الطبيعي

روسو: أساس الحق التعاقد

الحق الطبيعي معناه : حرية الفرد بأن يتصرف

كما يشاء من أجل الحفاظ على طبيعنه الخاصة

الحرية تعني غياب الحواجز

القانون الطبيعي هو مبدا عام بموجبه لا يحق

للإنسان تدمير ذاته

لا بد من التمييز بين الحق والقانون :

الحق : يكمن في حرية القيام بفعل أو الإمتناع

القانون : ملزم

الحق والقانون مختلفين ونقيضين

الحق يستد مشروعيته مما هو طبيعي

الحالة الطبيعية تتميز بحرب الكل ضد الكل

نتيجة هذه الوضعية حق كل واحد في السيطرة

النتيجة الإهتداء الى قانون نابع من الطبيعة

هدفه الحفاظ على الحياة مادامت

طبيعته عدوانية

السلم تطلب منه التخلي عن طبيعته العدوانية

التمييز بين حالة الطبيعة وحالة التمدن

الحق الطبيعي لا يستقيم لغيابة عقاب طبيعي

إذن قوانين الطبيعة لا تخدم إلا الشري وتسبب

الشر للعادل

الحل : هو عقد أتفاق وسن قوانين بهدف

إقرار العدالة

الحالة الطبيعية تنعدم فيها العدالة

الحالة المدنية تكون كل الحقوق محددة بقوانين

القانون ينظر الى الأفعال بصورة مجردة

الحق يجده سنده فيما هو قانوني

لأن السند القانوني يوحد بين الحقوق

والواجبات و يهدف الى إقرار العدالة

الحق تطلب تعاقدا

لقد اختلف الفلاسفة حول الأساس الذي يقوم عليه الحق ؛ فنجد هوبس يستلهم البعد الطبيعي في الإنسان الذي يجعله مدفوعا بحكم نزوعه الطبيعي الى الحفاظ على حياته بكل السبل ، وبالتالي تصرف الإنسان ينسجم وميله الطبيعي الى البقاء ، لكن هذه الوضعية في نظر هوبس ستؤدي الى حالة من الحرب الدائمة مما أدى الى الإهتداء الى قانون نابع من الطبيعة هدفه الحفاظ على الحياة ؛ فكان أن جنح الى السلم بالتخلي عن طبيعته العدوانية لإرادة عليا . بينما يرى روسو في مبدأ التعاقد أساس الحق ، ذلك أن القوانين الطبيعية لا تخدم الحق بل تؤدي الى نوع من الصراع العدواني ؛ ولتجاوز هذه الوضعية كان لا بد من اللجوء الى التعاقد وسن قوانين هدفها اقرار العدالة . أي ان الإنسان انتقل من حالة الطبيعة الى حالة التمدن التي تكون فيها الحقوق محددة بقوانين أي أن الحق تطلب تعاقدا.

- العدالة كأساس للحق

إن أي محاولة لمقاربة مفهوم العدالة تجعلنا ننخرط ضمن مجال أكثر اتساعا ويتعلق ب : المساواة ، التوازن ، الحق ، القانون ، الإنصاف ، المشروعية ، الآخر ، السلطة ، الحرية ،الديمقراطية .

يدل لفظ العدالة في بعده العام على ضرورة احترام القانون والامتثال له ؛ وفى المعنى الخاص يفيد الإنصاف ، الحق باختصار يدل على ما هو مطابق للحق الذي تجسده القوانين التي بدورها تحدد الشكل الذي تكون عليه المشروعية ؛ ويصبح كل ما نقوم به مشروعا حين يكون مطابقا للقانون ؛ وبمنحنا القانون القدرة على التمييز بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع ؛ مثال خرق القانون مسألة لا مشروعة يعاقب عليها القانون . إذن الأمر هنا يتعلق بسلوك وأفعال الأفراد المتعاقدين ، وتصبح العدالة هي الاحترام التام لحقوق الآخر ، هي الإنصاف هي الحق . هكذا لا يتحدد المفهوم في مجرد المطابقة للحق بل أكثر من ذلك إنها حكم محدد على أحداث ما باسم القيم والأخلاق يكون فيها القانون هو الوسيط بين الحدث والقانون . من هنا يمكن طرح الأسئلة التالية :

ما حاجتنا إلى العدالة ؟ وما هي المبررات التي أدت إلى ضرورة إقامة العدالة ؟ وكيف تمثل العدالة أساس الحق ؟

إن انتقال الإنسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة الثقافية جعله بالضرورة يتخلى عن حالة القطيع التي كان فيها الجميع ضد الجميع كان فيها الصراع المتسم بالعنف هو سيد الموقف ؛ ليقيم الإنسان مجتمع التعاقد الذي فيه تخلى الناس عن سيادتهم الفردية لسيادة عليا أصبحت فيما بعد تجسد المشروعية .إن حاجة الناس إلى إقامة توازن داخل المجتمع لتحقيق حد أدنى من التعايش كان المبرر الأساسي في إقامة مجتمع عادل يهدف إلى تحقيق المساواة والإنصاف. ومع ظهور القانون الذي يجسد السلطة ظهرت مؤسسة الدستور ومؤسسة القضاء وأصبح مبدأ الحق أساس المجتمع المدني والأداة لحماية الحق.

أرسطو : السلوك العادل هو السلوك الموافق للقوانين طبقا

للفضيلة

فريدريك فان هايك: السلوك العادل يكفل الحق ضمن الحرية

الظلم تصرف متعديا حدود القانون

العادل هومن يتصرف وفق القانون

السلوك العادل سلوك يوافق القانون ويضمن المساواة

السلوك الظالم سلوك لاقانوني ومنافي للمساواة

القوانين تشرع الأفعال وغايتها حماية المصلحة العامة

طبقا للفضيلةوحماية سعادة الجماعة

العدالة = فضيلة = أساس الحق

العدالة تتقاطع مع المفاهيم التالية :

الحق ، الحرية ، الشرعية ، القانون

العدالة تستمد مشروعيتها من المشروعية

القانون يستند على العدالة

تستند العدالة على الحرية

الحق القائم على العدالة وحده يصبح ملزما للجميع

العدالة أساس الحق

كانت الفلسفات القديمة تجعل من مبدأ الفضيلة أساس السلوك العادل ،الذي يوافق القانون ، لأن غاية القانون كما تصور ذلك أرسطو حماية المصلحة العامة التي غايتها سعادة الجماعة ؛ وطبعا هذا لن يتحقق إلا بالفضيلة . لكن هل السلوك الفاضل كاف لقيام العدالة ؟ لقد ذهب فان هايك بعيدا في تحليله واعتبر العدالة تتقاطع مع الحق والحرية والقانون وكل هذا غير ممكن إلا داخل الشرعية .

1 - العدالة بين المساواة والإنصاف

جاء مفهوم الإنصاف ضمن التفكير الأرسطي في مسألة القانون وظروف تطبيقه ، وبين أرسطو محدودية القانون ، ولتجاوز هذه المحدودية اقترح إصلاح القوانين من خلال الإنصاف في انسجام مع الأساس الطبيعي للقانون الذي يميز فيه بين العام والخاص بين الثابت والمتغير. تبدو العدالة والإنصاف متطابقين ومختلفين في نفس الوقت ويبقى الإنصاف أهم بكثير لأنه يقوم بوظيفة تصحيح للعدالة ،و قد يتعارض أحيانا الإنصاف مع مبادئ العدالة ( العدالة التبادلية ، العدالة التوزيعية ، العدالة القمعية ، justice commutative , justice distributive , justice répressive ) يقول أرسطو " ليس هناك أشخاص عادلون غير أولئك الذين يستنيرون بفكرة العدالة كإنصاف ، أي أولئك الذين يمثلون روح القوانين"

واليوم أصبح هذا المفهوم أكثر استعمالا وله معنى آخر يتجاوز مبدأ الإصلاح في معناه الميتافيزيقي إلى نموذج تطبقي يرتبط بالواقع وهذا ما أكده راولز في تحليله لمفهوم العدالة الذي لخصه في إشكالية التعاون الاجتماعي وفق مبادئ تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الداخلية للعدالة : فالعدالة تقوم على قاعدة الإنصاف وتقتضي أن يستفيد كل شخص من الحقوق الأساسية بالتساوي ، وتعتبر اللامساواة الاجتماعية مقبولة عقليا بحكم اختلاف مؤهلات وقدرات الأشخاص . يقول راولز " ينبغي أن يتم توزيع الامتيازات واقتسامها بطريقة تضمن التعاون الإرادي لكل أفراد المجتمع .."

تبدو العدالة مطلب ملح وضروري يتجدد بتجدد شروط الحياة ؛ ويبقى مطلب المساواة أمام القانون رهان صعب نظرا للأخطاء والإنزلاقات التي قد تقع فيها العدالة سواء بصورة إرادية أو غير إرادية ؛ مما يجعل مسألة الإنصاف ذات أهمية قصوى لأنها تقوم ما فسد وتصحح أخطاء العدالة وتعيد الثقة للأفراد والجماعات وتعطي للحرية معنى وللعدالة قيمة وبالتالي يصبح الحق ممكنا .

أفلاطون : العدالة فضيلة

شيلر : العدالة هي التي تأخذ بعين الإعتبار تفاوت القدرات