dimanche 11 mai 2008

الحريـــــــــة la liberté

إن إشكالية علاقة الواجب بالمجتمع أحيت وبصورة حادة نقاشا حول ثقافة الواجب لدى المواطنين و إذكاء روح المواطنة كنموذج تعاقدي بإدماج المواطن في المسؤولية من أجل تحقيق مجتمع مدني أساسه الحق والعدالة والإنصاف ضمن مجال الحرية حتى يحقق إنسانيته بالانفتاح على ثقافات أخرى لتعزيز ثقافة التعايش والسلم بين الشعوب . والتخفيف من العنف المادي والرمزي داخل المجتمعات .

الحرية حق ؛ إلا أن هذا الحق يصطدم بحواجز خارجية وداخلية . وتبقى مطلبا مناهضا لكل أشكال القهر ، وهذا ما يجعل المفهوم يكتنفه نوع من الغموض : أولا لأن منطلقات التحديد تختلف من شخص إلى آخر ؛ وثانيا ارتباط المفهوم بالبعد الإيديولوجي والسياسي .وهنا يكون مفهوم ديونتولوجي له ارتباط وثيق بالحرية . وهكذا تتحدد المواطنة انطلاقا من مبدأ الحرية والواجب؛ فكل مواطن عضو في الدولة يتمتع بالحرية المدنية وعليه واجبات . يقول حنا آرنت " إن المجال الذي عرفت فيه الحرية دوما ... إنما هو الميدان السياسي ... وبالرغم من التأثير البالغ الذي مارسه مفهوم الحرية الداخلية غير السياسية على تقاليد الفكر ، يبدو أنه يمكن الإقرار بأن . الإنسان لا يمكنه أن يعرف شيئا عن الحرية الداخلية إذا هو لم يختبر بادئ ذي بدء حرية تكون واقعا ملموسا في العالم . فنحن نعي بالحرية أو بنقيضها في علاقتها بالآخرين لا في علاقتها بأنفسنا . وقبل أن تصبح الحرية صفة الفكر أو ميزة للإرادة ، فهمت على أنها منزلة الإنسان الحر . تلك التي تمكنه قولا وفعلا من التنقل ومغادرة البيت والتجول في العالم وملاقاة أناس آخرين ..." ( أزمة الثقافة)

1- الحرية والحتمية

وجود الشخص ليس حالة جامدة سهل ضبطها أو اختزالها في مجرد انفعالات سلوكية أو علاقات اجتماعية أو بنية ثقافية إنه كل يتميز بالقدرة على التلفظ وخلق عوالم رمزية خاصة به نظرا لقدرته على الانفلات من قيود الاكراهات الموضوعية . ومع ذلك فالشخص يخضع لمجموعة من المؤثرات الذاتية والموضوعية ؛ تتحدد الأولى في البعد السيكولوجي ؛وتتجلى الثانية في البعد السوسيواقتصادى . لهذا ينظر إلى الشخص وكأنه بنية يتم التحكم فيها من خلال جملة من القواعد والقيم والقوانين التي تمارس عليه فعلها وتلزمه بالامتثال ومع ذلك لازال الإنسان مقتنع بأن له هامش من الحرية يمكنه التصرف فيه ، فإذا نظرنا إلى الشخص باعتباره وعيا لذات عاقلة كما تصور ذلك ديكارت وكانط ؛ فإن هذا الوعي هو في حد ذاته خطوة جبارة نحو التحرر من خلال إدراك الحتميات للحد من تأثيرها المتواصل . ( راجع درس الشخص بين الحرية والضرورة) .

إن مسألة الحرية والحتمية شكلت مجالا للبحث في الفلسفة والعلم ؛ وجاءت الإجابات مختلفة ومتناقضة . عند الفلاسفة اليونان ارتبط الوعي بالحرية بالطبيعة ، فالإنسان الحر هو الذي يستطيع أن يحقق قدرا من الانسجام والتناغم مع الطبيعة و:ان الميل الطبيعي للأشياء يحدد مصيرها . من هنا جاء التقسيم الأفلاطوني للنفس البشرية إلى شهوانية وغضبية وعاقلة ؛ فالأولى والثانية لا يعرفون الحرية لأنهم عبيد إما للأهواء أو القوة العضلية . أم العقلاء فهم أحرار لأنهم تحرروا من الغرائز ، ولأنهم اكتسبوا القدرة على السمو بالنفس إلى عالم الكمال عالم الفضيلة فهم أحرار .عكس الآخرون ضلوا عبيدا للأهواء والغرائز ، ولا يستطعون ادراك الخير .

ورغم تأثر الفلاسفة المسلمون بالفلسفة اليونانية ظل النص الديني حاضرا بقوة في تفكيرهم ، وشكل المقدس المكون الأساسي للمفاهيم الفلسفية ك العقل ، اللغة ، الحقيقة ، الحق ، العدالة ، السعادة، الحرية ... كل هذه المفاهيم استمدت مضمونها من النص الديني لتتخذ بعدا ينسجم ومقاصد الشريعة لا مع مرامي العقل . إذن السعادة من هذا المنظور هي استعداد عقلي لبلوغ الحكمة ، كما هي استعداد روحي من خلال مجاهدة النفس مع أهل العرفان ( راجع درس السعادة ) . ونفس الشيء الحرية هي استعداد عقلي وروحي لبلوغ الكمال والتحرر من الأهواء . مع استحضار قوة الأمر الإلهي في تحديد طبيعة الكمال المرجو الوصول إليه . وبلغ الفهم إلى حد القول بمسألة الجبر والاختيار تحت الضمان الإلهي . أو القول بهما معا ( الاختيار والجبر) . ما كان يؤطر الفرق الكلامية ( الهاجس المرتبط بالسلطة) وليس المفهوم في حد ذاته . ولم تتضح الرؤية نوعا إلا مع الفلاسفة الذين لم يأتوا بجديد سوى أنهم أضفوا بعدا فلسفيا على المسألة . وهذا ماحاول إبرازه ابن رشد حين شدد على أن الجبر والاختيار مرتبطين لا يمكن الفصل بينهما . فالحرية تتجلى في قدرة الإنسان على الإتيان بالأضداد ، الخير والشر ، لكنه في نفس الوقت يخضع للحتمية الطبيعة والجسدية التي من خلق الله .

أما سبينوزا فتحدث عن وهم الحرية ، لأن الناس يعتقدون بأنهم أحرار لكنهم يجهلون علل أفعالهم . أم كانط يرى بأن الحرية خاصية الموجودات العاقلة ، فالإنسان كغاية يتمتع بالاستقلال الذاتي الذي يعني حرية الإرادة وهكذا يختار كل فرد بحرية ( بإرادة ) مايريد فعله يقول كانط " افعل فقط طبقا للمبدأ الذاتي الذي يجعلك تقدر على أن تريد له في الوقت نفسه أن يصير قانونا كليا " (راجع درس الواجب ) .

أما ميرلوبونتي في كتابه" فينومونولوجيا الإدراك " يقول إن الحرية هي جوهر الوجود الإنساني والوعي ما هو سوى القدرة على الإنفلات من الإكراهات لأن العقل بمقدوره تجاوز القيود ولكن دون السقوط في الحرية المطلقة كما كان يعتقد سارتر . فالإنسان الى جانب الآخرين يمارس حريته ضمن الحدود التي يضعها المجتمع ، وهذا لاينقص من الحرية شيئا بقدر ما يحفظها بالحفاظ على خصوصية الغير .

تعتبر إشكالية الحرية والحتمية متجددة بتجدد شروط الوجود البشري ، فالتقدم العلمي الذي حققه الإنسان ولد لديه مخاوف جيدة ، ولم تعد الشروط الاجتماعية ولا الفكرية كفيلة لحل هذه الإشكالية . لأن الانتصارات التكنولوجية خدمت الحرية من ناحية وحاصرتها من ناحية أخرى مثال وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة التي أصبحت سيفا دو حدين ؛ لهذا طرحت مسألة ديونتولجية المهنة ( راجع درس الواجب ) . لم تعد الحرية حسب اعتقاد العروي متعالية عن الواقع بل محايثة له . إنها عملية تحرير دائمة تحتك بمثيلاتها ، إنها محاولة " التصالح بين حرية الوجدان وحتمية العلم الطبيعي " .

2- الحرية والإرادة

لقد رأينا بأن الحرية والضرورة شكلت مجالا للبحث في الفلسفة والعلم ، واختلفت طبعا الإجابات ، في التصور الميتافيزيقي للمفهوم

لم يكن لمسألة الضرورة أهمية لأنها خارج العقل ، بينما في العلوم الإنسانية كانت الضرورة حاضرة في الفعل الإنساني . والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل الفعل الحر ناتج عن إرادة حرة ؟

لنتذكر القاعدة التي أسس عليها كانط مبدأ الواجب : قاعدة الحرية أو الإرادة يقول " تصرف دوما بحيث يمكنك أن تعتبر نفسك بمثابة مشروع وبمثابة ذات فاعلة في مملكة الغايات التي تجعلها حرية الإرادة أمرا ممكنا " هذا القول لكانط يربط الحرية بالإرادة لأنها مصدر الأمر الأخلاقي المطلق إذن مبدأ الإرادة يمثل المبدأ الأخلاقي الأسمى ( راجع درس الواجب) . وبالتالي الحرية تساوي الإرادة .

في حين يدهب ديكارت إلى القول بأن الإنسان كائن حر وتقوم حريته على الإرادة التي هي ملكة الفعل وتستمد مكوناتها من ملكة العقل الفطري ولا تخضع لأي عامل خارجي يقول ديكارت " ولما كانت إرادتي بمثل هذه القوة فهي على وجه الخصوص الأمر الذي يجعلني أحكم .." ذلك لأن هذه الإرادة تمتلك المعرفة .

أما سارتر صاحب فكرة الإنسان مشروع يرى بأن الإرادة شرط للحرية ؛ لأن الإنسان قذف به في هذا العالم فهو مسئول عن أفعاله يتحكم في هويته وحياته واختياراته . وبالتالي يتصرف وفق إرادته وإمكاناته.

هناك نوع من الخلط بين الحرية والإرادة entre la liberté et la volonté ففي الفلسفة المثالية يمزجون بين المفهومين وكأن الفعل الإنساني ناتج عن إرادة حرة خارج العالم الموضوعي ، لكن واقع الأمر هو أن العالم الموضوعي يلعب دورا في تحديد أفعال الإنسان لقد كتب أنجلز في رده على دوهرينغ إن حرية الإرادة لا تعني شيئا إلا المقدرة على اتخاذ القرار .

3 – الحرية والقانون

حين تنازل كل فرد على حقه الطبيعي من أجل سلطة عليا و أسس مشروع الدولة فإنه كان يسعى إلى إيجاد شروط واقعية للحفاظ على حقه ووجوده وضمان حريته . فالإنسان لم يشعر بحريته إلا داخل المجتمع المنظم الذي تحكمه القوانين مجتمع التعاقد . وقد أعطى فلاسفة الأنوار معنى للحرية بحيث أصبحت موازية لما تسمح به القوانين لأن هذه الأخير هي الوحيدة التي تضمن الحرية كحق ( راجع درس الحق والعدالة )

يرى هوبس بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين ؛ وبذلك رفض الحرية الغير المقيدة ، فخوف الإنسان من الموت وميله إلى السلم والآمان جعله يؤمن بأهمية القانون " السلطة " للحفاظ على الحرية . فما تجيزه القوانين العادلة خير ضامن للحرية . لكن ألا يمكن أن يتحول القانون الى عامل مهدم للحرية ؟ هذا ما عارضه كونستان الذي بين بأن القانون قد يكون عامل معطل للحرية .

إن الحرية باعتبارها مطلبا للجميع تفترض أن يتوفر نظام عادل وقوانين عادلة تضمن الحد الأدنى من التعايش والسلم بين أفراد المجتمع الواحد ، ويكون المجال السياسي مفتوح للجميع لممارسة حرية الفعل والكلام .

Aucun commentaire: